باتت المصارف اليمنية في مواجهة ضغوط أكبر، بفعل مطالب المؤسسات المالية الدولية والمانحين للحكومة المعترف بها دولياً بتفعيل إجراءات الشفافية والرقابة المالية، بينما تشهد البلاد تشرذماً اقتصادياً ومالياً يجعل البنوك في مرمى الضغوط خلال هذه الفترة.
وطالبت الحكومة اليمنية أخيراً المصارف بالتعاون مع قطاع الرقابة في البنك المركزي في عدن التي تتخذ منها الحكومة عاصمة مؤقتة، للتأكد من التزام البنوك وشركات الصرافة بمعايير وقواعد الامتثال لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
تأتي هذه المطالبات كخلاصة لنتائج الاتصالات الحكومية مع البنوك الإقليمية والدولية، الهادفة إلى إعادة حركة تعاملاتها مع البنوك اليمنية لتسهيل حركة التجارة والمدفوعات بين اليمن وشركائه التجاريين، وفق مصادر مصرفية.
بدوره، يجزم المحلل المالي والمصرفي فيصل المريسي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تشديد الجهات الحكومية المالية والمصرفية على البنوك بالالتزام بقواعد ومعايير مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، يأتي في إطار ضغط دولي واسع على الحكومة، فضلا عن كون البنوك اليمنية هي التي تتولى كثيراً من التعاملات الاقتصادية والمصرفية والتجارية مثل فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد المواد الأساسية الغذائية والاستهلاكية.
وساهمت الحرب في فقدان اليمن ما كان متوفرا ومتاحا فيه من منظومة قانونية وتشريعية خاصة بمكافحة غسيل الأموال، بينما تضخم سوق الصرف واتسعت الاختلالات وقنوات الهدر المالي وغسل الأموال مع ارتفاع نسبة الاقتصاد الخفي إلى أكثر من 85% من الناتج المحلي الإجمالي في ظل تدني نسبة الضرائب العامة المتحصلة والتي كانت لا تشكل 30% في المتوسط من حجم الموارد العامة.
ويشير الباحث الاقتصادي مراد منصور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى نقطة مهمة تتعلق بتزامن الضغوط لتفعيل الرقابة على القطاع المصرفي مع التحركات الدولية المكثفة لتمديد الهدنة وحل مشكلة رواتب الموظفين وأزمة الانقسام في المؤسسات المالية والنقدية، في ظل حديث متزايد عن وفد عماني سعودي متوقع وصوله إلى صنعاء لبحث مختلف هذه الملفات والتي ستشمل الحوثيين.
ويُعتبر ذلك بمثابة مؤشر واضح على ارتباط ملفات أخرى بهذه التحركات، كملف إيرادات قطاع النفط والغاز والتمويلات الدولية وأيضا المنحة أو الوديعة المالية السعودية المقدرة بنحو 3 مليارات دولار والتي لم تتم إتاحتها وتخصيصها للاستخدام منذ أن جرى الإعلان عنها في إبريل/ نيسان الماضي.
وفي انتظار ما سيتم ضخه من دعم وتمويلات دولية والخروج من حالة الاضطرابات السياسية والاقتصادية الراهنة، تواصل العملة المحلية اضطرابها بالأخص في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً، وتأرجح سعر صرف الريال عند مستوى 1100 ريال مقابل الدولار الواحد.
ويقول مسؤول في أحد المصارف اليمنية، فضل عدم ذكر اسمه في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه لا مشكلة لدى البنوك المحلية في الالتزام بمعايير مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بالرغم مما لحق بها بسبب الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015.
كما يقول رئيس جمعية البنوك محمود ناجي، لـ"العربي الجديد"، إن البنوك اليمنية لا تغفل ماذا يعني اهتزاز علاقاتها مع عملائها ومع البنوك المراسلة لها بالخارج وهو ما يجعلها حريصة على اتباع الإجراءات والمعايير الخاصة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
لكن ثمة عقبات كبيرة على الأرض تحول دون استقرار القطاع المصرفي والالتزام بمعايير الشفافية المطلوبة، خاصة في ظل تعدد وتوسع التشكيلات العسكرية من مختلف الأطراف والتي أضحت تتحصل على موارد مالية من قطاعات عامة.
وأظهر تقرير اقتصادي صادر في يونيو/ حزيران الماضي 2022، عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني (منظمة أهلية) تفشي ظاهرة غسل الأموال بفعل الحرب والصراع الدائر في البلاد منذ سبعة أعوام.
وأشار التقرير إلى أن غسل الأموال يتخذ طرقاً وأساليب وممارسات مختلفة بما يؤثر على السياسة المالية والنقدية لليمن، ويتسبب في الإضرار بسمعة القطاع المصرفي وتسرب النقد وذلك بسبب انتشار أوعية جاذبة للأموال غير المشروعة وإحجام الجهات المانحة على مساعدة البنك المركزي اليمني.
وتسعى الحكومة للحصول على تمويلات خارجية لا تتعلق فقط بالمانحين، وإنما أيضا المؤسسات الدولية على غرار صندوق النقد الدولي الذي أتاح نافذة تمويلية لمواجهة صدمات أسعار الغذاء عالمياً بعد اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا نهاية فبراير/شباط.