أصبح القلق من الذكاء الاصطناعي، ومخاطره التي قد تهدد الأنظمة الديمقراطية، مثل الحمى.
وخلال كل أسبوع تقريباً تبرز تحذيرات حول المشكلات المحتملة التي قد تسببها عمليات "التزييف العميق"، التي يمكن أن ينتجها الذكاء الاصطناعي، ومنها المقاطع الصوتية والمرئية، والتي تبدو أقرب إلى الحقيقة بشكل كبير، ويخرج فيها المسؤولين الحكوميين والساسة، ويقولون فيها مالم يقولوه في الحقيقة، وهو ما يثير الشكوك، ويؤدي لانعدام الثقة بين الناخبين.
وفي بريطانيا تكافح الحكومة، والمسؤولون السياسييون لحماية إرث البلاد الديمقراطي من تلك المخاطر.
لكن في الوقت نفسه لا يلتفت كثيرون للمنافع المحتملة للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، إذ تُبذل جهود حثيثة في المقابل لإبراز المنافع التي يمكن أن يحققها الذكاء الاصطناعي في مجال تحسين الأنظمة الديمقراطية.
وتقول المؤسسة المشاركة في موقع "كامبين لاب" هانا أوروك: "بينما تشكل هذه التكنولوجيا مخاطر محتملة، تقدم أيضاً منافع قوية للحملات الانتخابية لا يمكن تجاهلها".
وتضيف: "مع مثل كل التقنيات المتاحة، من المهم معرفة كيفية استخدامها بشكل عملي، وسيتم الشعور بأثارها حسب الطريقة التي يقوم الناشطون باستخدامها".
•"مخاوف"
ويقدم موقع "كامبين لاب" المختصة في تدريب المتطوعين، دورات للناشطين في حزبي العمال والأحرار الديمقراطيين في بريطانيا، حول كيفية استخدام موقع "تشات جي بي تي" للذكاء الاصطناعي، في تصميم منشورات دعائية انتخابية.
ويحث القائمون على الموقع، الناشطين على توخي الحذر في عمليات تصميم المنشورات، لأن مواقع الذكاء الاصطناعي الضخمة مثل "تشات جي بي تي" يمكنها أحياناً أن تخلط الأمور، وتغير المعلومات.
وأصبح الذكاء الاصطناعي ضالعاً في كل الأنشطة اليومية المتعلقة بالبرامج الحاسوبية، بداية من مايكروسوفت حتى أدوب فوتوشوب حسبما تقول هانا، والتي تتسائل: لماذا لا نستخدم الذكاء الاصطناعي بطريقة تتسم بالمسؤولية؟.
وتضيف هانا: "المعلومات المزيفة التي يصنعها الذكاء الاصطناعي، لا يكون لها تأثير في العادة، عندما يحظى الساسة بعلاقات مناسبة مع ناخبيهم، ومجتمعاتهم التي تقوم بالتصويت لهم، خاصة عندما يقومون بالوفاء بوعودهم الانتخابية".
وتوضح: "لا يمكنك تزييف أن شخصاً ما يقوم بتنظيف الحديقة يومياً، كما لا يمكن تزييف حديث عند باب المنزل".
ويعبر جو ريفز، السياسي الشاب التابع لحزب المحافظين، والمؤيد لاستخدام الذكاء الاصطناعي، عن قناعته الكبيرة بأن التقنية الحديثة يمكنها تحسين العملية الديمقراطية.
ويدير ريفز جمعية "فيوتشر لندن" وهي مجموعة من الداعمين للذكاء الاصطناعي، واستخدامه للحصول على إجابات للأسئلة مثل "هل يجب أن أشتري منزلاً؟، أو أين ذهب خادمي الآلي؟".
ودشنت المجموعة جلسات تدريبية للبرمجة حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لدعم الحملات الانتخابية لحزب المحافظين.
ويقول ريفز: "حملاتنا تركز الآن على الحوار بين النواب والناخبين وجها لوجه، وتوعية النواب حول ما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، وإيجابياته".
ويضيف ريفز لبي بي سي: "التكنولوجيا تقدم فرصة لجعل العالم مكاناً أفضل للكثير من الناس، بغض النظر عن السياسة".
•"جديد وغير مستقر"
وشهدت بريطانيا أول انتخابات يستخدم فيها المرشحون الذكاء الاصطناعي، وربما تكون الأولى على مستوى العالم أيضاً، والتي حصل فيها غراي أندرو المرشح السابق للانتخابات المحلية لم يحصل على 99 صوتا فقط.
وعلى الرغم من أن تجربة أندرو كانت سيئة، إلا أن المحامي السابق الذي خاض الانتخابات كمرشح مستقل و"أدار حملته بالذكاء الاصطناعي"، لا يزال يطمح لإحداث ثورة في الساحة السياسية.
ويقول أندرو أن الناخبين في دائرته شمال انجلترا، لم يكونوا على استعداد بعد لمثل هذه التقنيات الحديثة، بل إنهم تعرضوا لاختلاط الأفكار بسببها.
ويضيف: "عندما كان الناخبون يتصلون بي، كانوا يظنون أنني برنامج آلي".
واستخدم غراي تقنيات حديثة في حملته الانتخابية منها تقنية "بوليس" والتي استخدمتها الحكومة التايوانية للإجابة على الأسئلة المثيرة للجدل من قبل المواطنين، مثل: ما مدى قانونية استخدام الدراجات الكهربائية؟.
وكان غراي يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي أيضاً لإقناع الناخبين بالتصويت له.
ورغم إخفاقه، إلا أنه لا يزال مؤمناً بشدة بالقدرات الكامنة في "بوليس" لصالح المرشحين وكيفية توحيد رؤيتهم في اتجاه سياسي واحد، وحل المشكلات التي تعاني منها المجتمعات المحلية، وبشكل أكبر من المشكلات القومية الكبرى.
وقد ساعدت حملة غراي، العديد من المجتمعات المحلية في جنوبي لندن، وعقدت العام الماضي دورات تدريبية حول أهمية الهواء النقي للصحة العامة، واستخدام تقنية "بوليس" لتعديل السياسات المحلية.
ويضيف غراي أن المنتقدين يرون أن برامج دعم اتخاذ القرارات بواسطة الذكاء الاصطناعي - والتي يتم تسويقها للسلطات المحلية في بريطانيا - لا تزال عرضة للتلاعب بها لتقديم نتائج يرغب فيها الساسة، لكن تقنية الذكاء الاصطناعي وقدراتها تفوق ذلك بكثير.
•صناديق الاقتراع
ويقول جو تويمان المؤسس المشارك لجمعية استطلاع الأراء الانتخابية "دلتابول"، إن استطلاعات الرأي التي أشارت إلى أن حزب المحافظين سيُمنى بهزيمة كاسحة في الانتخابات العامة المنتظرة خلال أسابيع في بريطانيا، لم تكن لتظهر إلا باستخدام هذه السبل التي يقدمها الذكاء الاصطناعي.
وتستخدم "دلتابول" تقنية الذكاء الاصطناعي لتحليل المعلومات المختارة من عينات صغيرة تم استطلاع رأيها من الناخبين، وهو الأمر الذي يستنكره تويمان، معترضاً على افتراض إمكانية أن تتمكن تقنيات الذكاء الاصطناعي من توقع نسب تصويت الناخبين بناءً على رأي عينات صغيرة.
ويرى تويمان أن البشر أكثر تعقيداً من ذلك ولا يمكن التبوء بتصرفاتهم ولا خياراتهم الانتخابية من خلال عمليات استطلاع رأي توقعية.
ورغم ذلك يعترف بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكنها أن تقدم منافع أخرى للمرشحين.
•"فوضى"
ويقول تويمان: "بعض التقنيات ستصبح أكثر قوة، وبعضها الآخر سيكون دون جدوى على الإطلاق، لكن سيتم ترويجها من قبل المحترفين، إلا أنها لن تقدم جديداً".
ويشعر المتفائلون بالذكاء الاصطناعي بالقلق من عمليات ترويج المعلومات الخاطئة باستخدام التقنية الجديدة بهدف بث الفوضى المجتمعية قبل الانتخابات خلال العام الجاري، والتي يُتوقع أن تشهدها دول عدة تصل نسبة المصويتين فيها إلى نحو 49 بالمائة من سكان العالم.
وتبدو فوائد الذكاء الاصطناعي حالياً بالنسبة للعملية الديمقراطية هامشية بشكل كبير، خاصة عند مقارنتها بالمخاطر المحتملة.
لكن رغم ذلك، لا يمكن لأحد أن يتوقع كيف ستتطور هذه التقنية، ومن المؤكد حتى الآن هو أن تقنية الذكاء الاصطناعي أصبحت موجودة بالفعل وستبقى كذلك، وستُغير الممارسات السياسية بشكل لا رجعة فيه.