يشهد الموسم الرمضاني المقبل حدثاً استثنائياً في مسار الدراما السورية، إذ تستعد الشاشة الصغيرة لعرض أعمال جريئة تتناول الوجه المظلم من تاريخ البلاد خلال العقود الأخيرة، عبر مقاربة الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها نظام بشار الأسد بحق السوريين. خطوة توصف بأنها كسرٌ للقمع الفني الطويل، ومحاولة لفتح ملفٍّ لطالما جرى التستر عليه في الدراما المحلية، هو ملف السجون والمعتقلات والتعذيب والتهجير.
العمل الأول الذي يثير اهتمام المتابعين هو مسلسل "لا زمان لا مكان" للمخرج صفوان نعمو، وهو مشروع درامي مؤلف من عشر ثلاثيات كتبها مجموعة من الكتّاب السوريين، في صيغة تتيح تنوّع الحكايات مع توحّد الهدف: نقل معاناة السوريين كما هي، بلا رتوش ولا تزييف. تستند الثلاثيات إلى قصص حقيقية لشخصيات عاشت التعذيب والنزوح والانقسام الطائفي، وتُقدَّم ضمن رؤية فنية واقعية تُعيد إحياء تجربة نعمو السابقة في "مدرسة الحب"، ولكن على أرضية أكثر قسوة. ومن المقرر أن تُخصص لكل ثلاثية أغنية خاصة يؤديها فنان مختلف، ما يضفي على العمل بعداً عاطفياً وفنياً إضافياً.
الحدث اللافت هو عودة الفنانة أصالة نصري إلى غناء شارات المسلسلات السورية بعد غياب طويل، إذ ستؤدي شارة "لا زمان لا مكان" التي سُتعرض خلال ثلاثين حلقة في رمضان. وكانت أصالة قد صرحت خلال مؤتمرها الصحافي في بيروت أن الأغنية "من أجمل ما غنّت"، مؤكدة أنها بكت أثناء تسجيلها تأثراً بالنص والموسيقى. ويضم العمل نخبة من نجوم الدراما السورية، بينهم غسان مسعود، دانا مارديني، سامر إسماعيل، نانسي خوري، فادي صبيح، محمد حداقي، مهيار خضور، إلى جانب مجموعة من الوجوه الشابة، ما يمنحه حضوراً جماهيرياً متنوعاً.
أما العمل الثاني، فيحمل عنوان "الخروج إلى البئر"، وهو من تأليف سامر رضوان وإخراج الأردني محمد لطفي. يدخل المسلسل مباشرة إلى قلب الجرح السوري عبر تناول سجن صيدنايا، الذي تحوّل إلى رمز للرعب والانتهاكات في تاريخ سورية الحديث خلال حكم حافظ وبشار الأسد الممتدّ لنصف قرن. لا يقتصر العمل على مشاهد التعذيب داخل السجن، بل يتناول أيضاً خلفيات السجناء السياسية وحياتهم قبل الاعتقال وبعده، إضافة إلى معاناة عائلاتهم في الخارج. وتعود الأحداث بالزمن إلى ما قبل الثورة السورية لتؤكد أن سياسات القمع لم تكن وليدة اللحظة، بل امتداد لمنهج طويل من الترويع والتنكيل.
بطولة المسلسل تجمع مجموعة بارزة من الأسماء: جمال سليمان، وكارمن لبس، وعبد الحكيم قطيفان، ونضال نجم، وواحة الراهب، ونوار بلبل، ومازن الناطور، ونانسي خوري، وجفرا يونس، ورسل الحسين، وهو ما يمنحه ثقلاً فنياً يعزّز فرص انتشاره عربياً في موسم رمضان. ومع ذلك، ما يزال مصير تصوير المسلسل غامضاً. فبينما ترددت أنباء عن احتمال تصويره في دمشق، ترجّح مصادر أخرى انتقاله إلى بيروت بسبب موقف الرقابة السورية من النص. وتشير تسريبات إلى أن المشاهد التي تتناول سجن صيدنايا قد تواجه حذفاً أو تحويراً في حال أصرّ الفريق على التصوير داخل سورية. ومع ذلك، أعلنت اللجنة الوطنية السورية للدراما أنها لم تتسلم النص رسمياً بعد، مؤكدة استعدادها لتسهيل التصوير داخل البلاد "ضمن القوانين المعمول بها".
اللافت في العمل أنه يستند إلى شهادات ووثائق حقيقية، بينها روايات معتقلين ناجين، ما يمنحه مصداقيةً عالية ويجعله أقرب إلى توثيق بصري للتاريخ من كونه مجرد عمل درامي.