ما بين رواية "ضحية الجشع" لرمزية الإرياني التي صدرت في 1970، ورواية "الدِّيّنا" لنهى الكازمي في عامنا هذا 2024، جرت مياه وتجارب عديدة كثيرة تحت جسر الكتابة الروائية المكتوبة بأقلام نسائية. طرقت فيها موضوعات اجتماعية لم تقتصر على قضايا الهمّ الأنثوي الذاتي، بل خاضت في الهمّ السياسي إلى جانب قضايا المرأة والمجتمع.
لم يكتمل عقد الثورات اليمنية سبتمبر وأكتوبر، حتى بدأت المرأة اليمنية بإشعال فتيل الإبداع وتدشين مرحلة جديدة يكون لها فيها حضورها وكلمتها، فدوّنت أول إمضاء لها على أول عمل روائي مكتوب بقلم نسائي يخوص في قضايا المجتمع. فقد شهد العام 1969، صدور أول رواية نسائية حملت عنوان "القات يقتلنا" بتوقيع رمزية الإرياني التي أكّدت عزم المرأة على اقتحام المجال الأدبي والسردي برواية أخرى في العام 1970، بعنوان "ضحية الجشع"، وهما عنوانان عبّرا صراحة عن بداية قوية وجريئة في اقتحام مجال كان حينها لا يزال محصورًا في الرجال رغم حداثته بالنسبة للجنسين.
•السرد النسوي وصحافة عدن
يوضح أستاذ الأدب والنقد المشارك في كلية الآداب بجامعة عدن، الدكتور عبدالحكيم باقيس، أنّ بدايات السرد النسوي في اليمن، وتحديدًا بدايات ظهور كتابات قصصية نسائية، بمدينة عدن ارتبطت بعقدَي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي؛ وذلك لظروف تتصل بالحالة المدنية المتصلة جذورها إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث المدينة المتشكلة مظاهر حداثتها بتأثير من الاحتلال البريطاني، وكان من ثماره الظهور المبكر للصحافة وتعليم الفتاة على مستوى الجزيرة العربية؛ ما ساعد على نشر الوعي بمشاركة المرأة، وعند منتصف القرن كان ظهور حركة نسائية من مظاهرها الاعتصامات والاحتجاجات التي قادتها النساء في عدن، وفي هذا الوقت نشرت (ف. أحمد) أول قصة في صحيفة صوت الجنوب في بداية سبتمبر 1961، بعنوان "ظالم يا مجتمع" وأعقب ذلك توالي الكتابات القصصية النسوية، فقد كتبت، على سبيل المثال، فوزية عبدالرازق في 1963، أولَ قصصها في صحيفة (الرأي العام) وسامية محمود في صحيفة (الأيام) في يناير 1967، واعتدال ديرية التي نشرت قصصها في الصحف العدنية والعربية في الستينيات.
ويؤكّد باقيس أنّه رغم أنّ الفوارق الزمنية بين تلك الكتابات تبدو بعيدة نسبيًّا، فإنّها في الوقت نفسه لا تشي بالتعثر، بل بتواصل محاولات الكتابة. وفي هذا السياق، سوف تأتي كتابات شفيقة زوقري التي توّجتها بصدور مجموعتها القصصية "نبضات قلب" في الستينيات، وهكذا سيبدو الأفق الستيني بما حمله من أصوات نسائية تُكتَب للمرة الأولى، وتُعلِن عن وجودها الإبداعي على صفحات المجلات العدنية امتدادًا طبيعيًّا لنضالها في سياقٍ ثقافيّ عامّ ارتبط بحركة التحرر والشعور الوطني والنزعة إلى الاستقلال الفردي والعام من ناحية، وبما وفرته الحياة المدنية في عدن آنذاك من عوامل الظهور، وربما التشجيع على الكتابة.
وبحسب الدكتور باقيس، فقد كان لظهور نظام سياسي جمهوري مدني ذي صبغة قومية يسارية عقب الاستقلال في الجنوب، في مرحلة السبعينيات، أثره البالغ في نمو الوعي بمشاركة المرأة وتمكينها في مختلف المجالات، بما في ذلك إتاحة منابر التعبير لها، وهي مرحلة أفرزت أسماء جديدة، مثل: أفراح سليمان، هدى عبدالله، وزهرة رحمة الله، وثريا منقوش، وإفتكار محمد، وغيرهن، وفي الثمانينيات: شفاء منصر، وأمل عبدالله، ونجيبة حداد، وهدى علوي.
وفي حديثه لمنصة "خيوط"، يضيف باقيس: "كانت الكتابة القصصية أداة من أدوات الدفاع عن المرأة وعن مختلف حقوقها الاجتماعية، وجلّ الكاتبات جنوبًا في تلك المرحلة، كان لهن نشاطات اجتماعية وثقافية وإعلامية، وحضورٌ موازٍ للكتابة نفسها، بمعنى أنّ الكتابة القصصية لم تأتِ بوصفها مجرد رغبة في الكتابة، وإنما صورة من صور تمرير الخطاب النسوي؛ ونتيجة لذلك لوحظ انصراف بعضهن عن القصة القصيرة إلى الاشتغال بمجالات عديدة".
•عوامل سوسيولوجية مؤثرة
لا يحبذ الدكتور باقيس فصل أجزاء المشهد الأدبي في اليمن بين الجنوب والشمال، لكنه يجد أن هناك مبررات أو مسوغات لهذا الفصل حينما نتحدث عن العوامل السوسيولوجية المؤثرة في مشهد الكتابة عند لحظات زمنية بعينها، لها اتصالها بالسياسي والفكري والخصوصيات المكانية، وبناءً على التحولات الكبرى التي مرّت بها اليمن عقب قيام الوحدة اليمنية، وانتهاج الانفتاح السياسي في ضفتَي المشهد، ومنه حرية الأحزاب والصحافة والمناخات الأكثر إيجابية في منابر التعبير، التي كان من ثمارها ظهور أجيال جديدة في الكتابة استطاعت أن تحمل السرد اليمني إلى أفق جديد، بما في ذلك ظهور الكاتبات اللائي يلجن عالم الكتابة للمرة الأولى في حقبة التسعينيات.
وظهرت ثمار تلك المتغيرات والمفارقات شمالًا أكثر منها جنوبًا، إذا أخذنا بالمعيار السوسيولوجي في الجانبين الكمي والنوعي، وهذا مجال بحاجة على المزيد من البحث والدراسة. وفي كل الأحوال، إذا أخذنا فقط بالمؤشرات الخاصة بظهور الكاتبة الروائية النسوية وتطورها، فسنخلص إلى مفارقة تأخر الرواية النسوية جنوبًا وتطورها شمالًا، بداية باللحظة التاريخية لظهور أول نص روائي نسوي يمني، بغض النظر عن الناحية الفنية والجمالية لرمزية عباس الإرياني "ضحية الجشع" في بداية السبعينيات، وستتخذ الرواية النسوية في أواخر التسعينيات خطًّا بيانيًّا متصاعدًا بما كتبته عزيزة عبدالله من روايات ثلاث: "أحلام نبيلة"، "أركنها الفقيه"، "طيف ولاية"، في المدة من 1997 إلى 1998، ثم نبيلة الزبير في "إنه جسدي" في 2000. وبعدئذٍ تتوالى الأصوات والأسماء من الندرة إلى الوفرة، في الكتابات الروائية المجسِّدة لخطابٍ روائيّ نسويّ يمنيّ، ما يعني أنّ بدايات الرواية وانتشارها بوصفها جنسًا أدبيًّا يحظى باهتمام الكاتبات، كانت مع بدايات القرن الجديد، وبتوفر عوامل جديدة ساعدت على الوعي والانتشار، ما يستوجب قراءته في ظل تحولات الخطاب الروائي في اليمن، بحسب ما يؤكّد الناقد باقيس.
•ببليوجرافيا السرد النسوي
مثّلت الرواية النسائية في اليمن، ما نسبته 17% من إجمالي الروايات اليمنية التي وصلت حتى نهاية مارس 2024 إلى 620 رواية، حيث وقّعت 71 امرأة على 128 رواية، وهي نتاجات 55 عامًا من السرد النسائي؛ بحسب ببليوغرافيا أعدّها القاص والكاتب زيد الفقيه، ونشر الجزء الأول منها في عام 2021، عن دار عناوين للنشر.
خلال رحلتها السردية التي تجاوزت نصف قرن، تمكّنت المرأة اليمنية من فرض حضورها في المجال الأدبي ومناقشة قضايا المجتمع من وجهة نظرها، وخاصة تلك التي تعاني منها النساء اليمنيات، والتي لها أسباب وأبعاد دينية ومجتمعية وعادات وتقاليد وغيرها.
وفي حديث لمنصة "خيوط"، يشير الفقيه إلى أنّ التقنيات الفنية للرواية النسائية في اليمن، لا تقل شأنًا عن تلك التي استخدمها الرجل، وبالرغم من تفوق بعض الروائيين المتمرسين على كتابة الرواية الحديثة، مثل: وجدي الأهدل، سمير عبدالفتاح، الغربي عمران، أحمد زين، علي المقري، عبدالله عباس الإرياني، حبيب سروري، بسام شمس الدين، أحمد العريقي، عبدالناصر مجلي، في التقنية، فإنّ هناك أسماء نسائية تضاهيهم، ومنهن: نهى الكازمي، شذا الخطيب، نادية الكوكباني، أرياف التميمي، نبيلة الزبير.
ووفقًا للفقيه، الذي يعمل حاليًّا على إصدار جزء ثانٍ من ببليوغرافيا الرواية اليمنية، فقد شهد العقد الماضي غزارةً في الإنتاج الروائي النسائي في اليمن، وأكّد أنّ "النتاج النسوي الروائي في السنتين الأخيرتين، كان لافتًا للنظر، وغير مسبوق"؛ حدّ وصفه.
ثمة زخم كبير تصنعه المرأة اليمنية في مجالات كثيرة، ومنها مجال الرواية، بل وتكاد أن تطغى في إنتاجها الروائي حاليًّا على نتاجات الرجال، بفعل ثورة التقنية والاتصال والتواصل، الذي منحها فرصة كاملة للمنافسة في التعبير عن الذات ومناقشة القضايا التي تهم المجتمع اليمني.
"الدِّينَّا" واحدة من أحدث الروايات النسائية اليمنية، أصدرتها الكاتبة نهى الكازمي في 2024، وفيها سردت وقائع تتصل بأحداث حرب 2015، وأعادت تفتيت البُعد الأيديولوجي للمجتمع، وفقًا لشخصيات عكست الرؤى الفكرية المُتنازعة، التي أثّرت وما زالت تتحكم في الصراع السياسي في اليمن؛ وجسّدت في وقائعها الحوارية القطيعةَ بين أفراد المجتمع.
وتوضح الكازمي أنّ الرواية تُقدّم سردًا مُركّزًا عن العُنصريّة بدرجة أساسية، فالأنا (الطارئة) والمُشبعة بالمكان، تُمارس سلطتها على الآخر، انطلاقًا من أنّه "من هُناك وليس من هُنا"، وهي إحدى المشكلات التي طفت إلى السطح بتأثير الحرب التي طالت كلَّ مدن اليمن، بحسب تصريح سابق لها نشرته منصة "خيوط".
•ظاهرة تؤثر على بعض الكاتبات
يؤكّد الروائي الغربي عمران أنه وفي عالم الأدب، نجد المرأة توازي بنتاجها الرجل، ليس فقط من ناحية الكم لكن الكيف أيضًا، وهناك عشرات القاصّات والروائيات والشاعرات، لهن إصداراتهن المتميزة التي توازي في جودتها وعمق تناولها ما يكتبه الرجل.
وفي حديثه لمنصة "خيوط"، يشير الغربي عمران إلى عدة أسماء نسائية أبدعت بروعة مدهشة، منهن: "نادية الكوكباني، فكرية شحرة، شذا الخطيب، أرياف التميمي، فاطمة معوضة، نبيهة محضور، ذكريات عقلان، ليلى السياغي، حورية الإرياني، نبيلة الزبير، نهى الكازمي".
ولفت إلى ظاهرة -قال إنّها قد تكون اجتماعية- حجبت بعض الأسماء النسائية اللاتي كُنّ قد خُضن تجربة الرواية وحقّقن حضورًا، مثل: أروى عثمان، ولمياء الإرياني، وهي ظاهرة تؤثر على بعض المبدعات اليمنيات في مجالات الإبداع كافة، وتُبعدهن عن المشهد بعد فترة قصيرة من الظهور والنجاح.
وبحسب عمران: "لا توجد فترة ذهبية محددة، فالأمس كان جميلًا بالنسبة للمرأة اليمنية في مجال الكتابة الروائية، واليوم هو أجمل"، متوقعًا أنّ يكون حضورها المستقبلي أكثر إبداعًا ودهشةً وجمالًا.
وأضاف بقوله: "المرأة تواجه الإقصاء في مجتمعنا، غير أنّ عند متابعاتي لِمَا يصدر أجدها تعمل على تجاوز الوصايا والفهم المغلوط لدور المرأة بصفتها ربة بيت"، مشيرًا إلى أنّ الكتابة الأدبية عمل فردي، حيث قد يؤثر موضوعٌ ما على الفرد، ولكنه يظلّ عملًا ذاتيًّا، وأن الفرد يستطيع الكتابة والنشر، خاصة مع توفر الشبكات الإلكترونية من التواصل والنشر.
•منبر للنضال السياسي والاجتماعي
تقول الكاتبة سهير السمان: "اتخذت المرأة اليمنية من السرد عالمًا لوجودٍ يقاوم التخفِّي والإلغاء، ومن سرد الأمهات وحكايا الجدات، وجدَت المرأة ضالتها في الحبر منذ أكثر من خمسين عامًا، حين انفتح لها مجال لتحقّق وجودها في الوسط الاجتماعي الذي كان يتحاشى الحديث عن النساء، بل وسماع صوتها".
وخلال هذه الفترة من منجزها السردي، طرقَت الكاتبة اليمنية موضوعات اجتماعية لم تقتصر على قضايا الهمّ الأنثوي الذاتي، بل كانت تخوض في الهمّ السياسي إلى جانب قضايا وهموم المرأة وعلاقتها بالوسط الاجتماعي، وموقفها من الجهل والتطرف، ونقد بعض العادات والتقاليد المعيقة، كما في روايات عزيزة عبدالله "أركنها الفقيه"، و"أحلام نبيلة" التي ناقشت فيها موضوع الأبوية.
وتلفت السمان إلى أن "الزواج والجنس والدين" كانت موضوعات وقضايا ارتكزت عليها رواية "زوج حذاء" لعائشة، والقضايا الاجتماعية كـ"القات" و"التفرطة"، وطقوس هذه العادة الاجتماعية وبُعدها القيمي ونتائجها. وتبقى الرواية متمحورة حول قضايا المرأة وما يتعلق بواقعها في المجتمع اليمني، وتعرية المسكوت عنه، كتزويج القاصرات وتعدّد الزوجات، واستغلال شبكات الدعارة والوسطاء وتجارها المتصلون بالدولة، بل وتسلَّل السرد إلى غرف النوم ليلتقط صورًا من العلاقات الزوجية، المبنية على الجنس فقط، التي يغيب عنها الحب، والتي تعتبر شكلًا من أشكال الاغتصاب ولكنه اغتصاب شرعي.
•تطور الكتابة النسوية وخصائصها
عند النظر في المؤشر الكمي للرواية المكتوبة باسم الأنثى، سيبدو المؤشر أكثر خصوبة في العقدين الأخيرين، قياسًا بنصيب الأنثى من المكتوب في العقود السابقة. عشرات الروايات لكاتبات ينتمين لموجة الجيل التسعيني الأولى، ممن انتقلن من الشعر أو القصة القصيرة إلى عالم الرواية، مثل نادية الكوكباني ونبيلة الزبير، ولمن ينتمين للموجة الثانية في العشر السنوات الأخيرة. وفي المؤشر النوعي، ما زالت كثيرٌ من التجارب في الكتابة بحاجة إلى التأمل والدراسة. ولفت الدكتور عبدالحكيم باقيس، إلى أنّه من الطبيعي أن يكون الخطاب النسوي أكثرَ الخطابات استغراقًا، فالأنثى تكتب من داخل الدائرة نفسها التي تصنع معاناتها، وحتى عند تناول الموضوعات أو القضايا العامة والكبرى، فهي تكتب في كثير من الأحيان من زاوية معاناة المرأة.
وبحسب باقيس، يمكن أن نضرب مثلًا في تناول "سوق علي محسن" و"ثورة مهيوب" و"بئر زينب" لموضوع ثورة التغيير، بوصفها حدثًا عامًّا، كيف جرى تسريده من داخل وعي نسوي، وهكذا في العديد من النصوص التي تسجّل فيها الكاتبات حضورهن في مشهد الكتابة من داخل هذا الوعي، بما في ذلك الحرب وانعكاساتها، ونكتفي بذكر "سنوات الوله" لشذا الخطيب، و"صاحب الابتسامة" لفكرية شحرة، فضلًا عمّا تتميز به أكثر النصوص من نزعة نحو "التذويت"، مثل: "صنعائي" لنادية الكوكباني، و"سرير شاغر للموت" لأسماء سليمان، و"صدى الأنين" لإلهام مانع؛ ذلك أنّ تناول الأحداث والقضايا من منظور الذات الساردة، يمنح الروايات خصوصيةً أكبر في النفاذ إلى أعماق القضايا والتفاصيل المسرودة، وستعلو هذه الرغبة إلى تحويل الذات نفسها وتجاربها إلى موضوع للسرد، كما في "بيت أبي" لآمنة يوسف، وهي تجربة رائدة في كتابة الرواية السيرذاتية، وخصوصًا في واقعنا اليمني الذي لا يتيح لظهور هذا النوع من الكتابة.
ويرى باقيس أنّ الرواية النسوية في مرحلة تعدّدها وتنوّعها خلال العقدين الأخيرين، لم تُدرس جيدًا بعد، وتلك مسألة متصلة بمشكلة النقد الروائي اليمني المتأخر كثيرًا عن متابعة التحولات عدا جهود فردية قليلة، وفي ظلّ الموجة الأخيرة من الكتابة ستلفت الأنثى إلى وجودها في أنماط جديدة من الكتابة، كالسرد الفانتاستيكي فيما تكتبه سيرين حسن في "حقوق الرائحة محفوظة"، وأرياف التميمي في "أرضك يا غريب"، و"رحلة روح" لشروق عطية.
وبالنظر إلى المنشور مؤخرًا، بأسماء كاتبات، نلحظ مدى الوفرة، حيث تستهوي أكثرهن صفة "روائية" أكثر من صفة شاعرة، ولعل مردّ ذلك -بخلاف ألق الرواية نفسها- إلى رغبة الكاتبات في تمرير أكثر الكتابة والبوح جرأةً ومشاكسة في إطار بنية المتخيل الروائي، وحتى لا أقع في فخ ذكر الأسماء، سأكتفي هنا بذكر آخِر الواصلات إلى الرواية، وهما: مياسة النخلاني الفائزة بجائزة حزاوي عن رواية "سمّيتها فاطمة"، ونهى الكازمي في كتابة الرواية النسوية الأحدث "الدّينّا"، التي تتناول في جانب منها، ما تصنعه الحرب من وحشية، وآثارها النفسية والاجتماعية.
•الحاجة إلى الترجمة والترويج
بات لافتًا حضور الرواية النسائية محليًّا، حيث بدأت تنافس على الجوائز، وقد فازت رواية "البيت الكبير" للكاتبة مياسة النخلاني بالمركز الأول من جائزة "حزاوي" في دورتها الأولى 2022 عن فئة الرواية المخطوطة، كما فازت رواية "رحلة روح" المنشورة للكاتبة شروق عطيفة بالمركز الثاني من الجائزة نفسها، وبالدورة نفسها.
يمكن القول إنّ الرواية النسائية في اليمن وصلت مرحلةً من النضج، ولم يعُد ينتظرها سوى منافسة الرجال في المسابقات والمحافل الأدبية العربية والدولية، ولتحقيق الحضور دوليًّا ستحتاج للترجمة، وحتى الآن لا يوجد سوى رواية يمنية نسائية واحدة وهي رواية "سمّيتها فاطمة" للكاتبة ميّاسة النخلاني، التي ترجمها إلى اللغة الإنجليزية الدكتور حاتم الشماع.
ختامًا، يمكن القول أنّه ما بين "ضحية الجشع" لرمزية الإرياني في السبعينيات من القرن الماضي، ونهى الكازمي في عامنا هذا، جرت مياه وتجارب عديدة كثيرة تحت جسر الكتابة، ومنها من استمر ليخلق تراكمًا إبداعيًّا، ومنها من قضى نحبه وأصابته لعنة كتابة الرواية الواحدة، وفقًا للدكتور باقيس الذي أكّد أنّنا بحاجة إلى إعادة القراءة والنظر في الرواية في اليمن، والرواية النسوية على وجه الخصوص، والانتقال من مرحلة التشجيع والدعوة إلى الكتابة، إلى رحلة التقييم الفعلي الذي يسهم بحق، في تطور تجربة كتابة الرواية في اليمن التي توشك قريبًا أن تطوي مئة عام من تاريخها.