على مدار السنوات، كان الطريق إلى أرفع جوائز السينما العالمية وأعلى الإيرادات يمر من وادي رم، فالمنطقة الصحراوية الواقعة في جنوب الأردن كانت موقعا لتصوير عدد من أشهر أفلام هوليوود منذ ستينيات القرن الماضي.
فمنذ حصول أول فيلم تم تصويره في وادي رم على سبعة جوائز أوسكار، وهو فيلم "لورانس أوف آرابيا" أو "لورلنس العرب" من بطولة الممثل البريطاني بيتر أوتول والمصري عمر الشريف والأميركي أنتوني كوين في 1962، باتت المنطقة الصحراوية البديعة المدرجة في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) موقعا لتصوير الأفلام التاريخية وأفلام الخيال العلمي بسبب تضاريسها المدهشة.
ويقول المخرج الأردني محمود البربري لوكالة أنباء العالم العربي (AWP): "ما أن تدخل هذا المكان الواسع الساحر وتغرق في كثبان رمال رم الحمراء النادرة حتى تبدأ الذائقة الإبداعية في النشاط وخلق تكوينات للصورة يصعب تكوينها في مكان آخر"، وهذا تحديدا ما يجعل، بحسب البربري، الممثلين والمخرجين يقدمون أفضل ما لديهم من مهارات وتقنيات توازي قيمة المكان.
وأضاف البربري أن منطقة وادي رم، التي يطلق عليها أيضا "وادي القمر أو المريخ" لتشابه تضاريسها مع القمر وكوكب المريخ، لا تتطلب من المخرج التركيز على تفاصيل الديكور والخلفيات بذات الدرجة عندما يكون التصوير داخل استوديو، فالمكان كما "يمنح عدسة المخرج لوحة طبيعية يمكن تشكيلها وقولبتها بالشكل الذي يراه مناسبا".
وتابع المخرج الأردني قائلا: "خلال تصوير المشاهد في مناطق طبيعية تحاكي قصة العمل الفني كما في وادي رم تكون مساحة الإبداع لدى الممثل أكبر بكثير".
وأشار البربري إلى أن تضاريس وادي رم ولون ترابه المائل للحمرة تساعد المخرج والمختصين في الإضاءة على التحكم بكل التفاصيل التكوينية للصورة.
* إيرادات ضخمة
كان تحقيق الأفلام التي تم تصويرها في وادي رم إيرادات ضخمة أكبر ترويج لصناعة السينما في المملكة، وفقا للمنتج والمخرج التلفزيوني علي أبو جمعة، وهو ما زاد من الإقبال على اعتماد رم كبيئة تصويرية طبيعية.
وقال أبو جمعة لوكالة أنباء العالم العربي إن التصوير في بيئة مثل وادي رم تعد اقتصادية لصناع السينما كونها لا تحتاج إلى تكاليف كبيرة، خاصة على صعيد الديكور، بالإضافة لتقليص مدة التصوير.
وأضاف: "جميع الأفلام التي تم تصويرها هنا أنهت عملها في وقت أقل من المخطط له"، وهو عامل مهم آخر شجع المنتجين على التوجه إلى الأردن.
وأوضح قائلا إن الحراك السينمائي في المملكة انعكس إيجابا على العاملين في الشركات المحلية في القطاع الفني من حيث توفير الدعم الفني واللوجستي والتنسيق مع الكوادر الفنية المتخصصة، وتشمل الخدمات المقدمة أيضا توفير "شركات الطعام والحجز الفندقي والسيارات والشاحنات لنقل المعدات والملابس".
وبعد إنتاج فيلم "لورانس العرب" في ستينيات القرن الماضي، لفت وادي رم صناع السينما العالمية وباتت المنطقة وجهة لكثير من صناع الأفلام في هوليوود.
واحتضن المكان تصوير عشرات الأفلام العالمية، ومنها "ذا مارشان" أو "المريخي" في 2015، و"إنديانا جونز اند ذا لاست كروسيد" أو "إنديانا جونز والحملة الصليبية الأخيرة" في 1989، والجزء التاسع من سلسلة أفلام حرب النجوم (ذا رايز أوف سكاي ووكر) أو "صعود سكاي ووكر" في 2019.
وكان فيلم الخيال العلمي "ديون" أو "كثبان رملية" للمخرج الفرنسي الكندي ديني فيلنيف أحدث الأفلام التي صورت في وادي رم. ونال الجزء الأول من الفيلم الذي عرض في 2021 ست جوائز أوسكار وحقق إيرادات تجاوزت 400 مليون دولار في كافة أنحاء العالم.
* استقطاب صناع السينما
في عام 2003، تم تأسيس الهيئة الملكية الأردنية للأفلام بهدف "الإسهام في تنمية وتطوير قطاع الإنتاج السينمائي والتلفزيوني بمختلف أنواعه"، لتبدأ بعد ذلك في الترويج لوادي رم وغيره من المناطق الأردنية بغية استقطاب صناع السينما العالمية لإنتاج أفلامهم في المملكة باعتبارها "استوديو مفتوحا"، كما يصفه مدير عام الهيئة الملكية مهند البكري.
ويقول البكري إن الهيئة اتخذت جملة من الإجراءات القانونية والحوافز لتشجيع المنتجين، ومنها تسهيل الحصول على تأشيرات دخول المملكة، وتهيئة الخدمات اللوجستية في مواقع التصوير إضافة إلى تأمين الممثلين، كما وضعت حوافز ضريبية يتم من خلالها استعادة جزء من الضرائب التي يدفعها صناع الأفلام.
وأكد البكري أن استقطاب الأفلام العالمية جعل من الأردن مركزا مهما في صناعة السينما العالمية، وأنعش القطاع الفني في المملكة من خلال إشراك ممثلين أردنيين في الأفلام التي يجري تصويرها في وادي رم، أو تقديم خدمات من قبل شركات الإنتاج المحلية لصناع الأفلام، مشيرا إلى أن الهيئة وضعت حدا أدنى للمبالغ التي يجب إنفاقها على الإنتاج.
ويعتقد البكري أن احتكاك الكوادر الفنية الأردنية مع التقنيات الهوليوودية رفع من مستوى صناعة السينما في المملكة وشجع مخرجين على إنتاج أفلام تحاكي الأفلام العالمية، ومنها فيلم "ذيب" للمخرج الأردني ناجي أبو نوار الذي ترشح عام 2016 لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية.
ويعد وادي رم أحد أضلع المثلث السياحي الذهبي للأردن إلى جانب كل من البترا ومدينة العقبة الساحلية، ويقصده السياح للاستمتاع بطبيعته الصحراوية الساحرة خاصة في الليل، وكان ذلك وراء إدراجه على لائحة التراث العالمي لليونسكو في 1985.
وتقع منطقة وادي رم في جنوب المملكة الأردنية على بعد نحو 300 كيلومتر جنوبي العاصمة عمان، ويعتقد خبراء أن هذه المنطقة تشكلت منذ 500 مليون سنة، وتتميز بصخورها ذات الطبيعة الرملية بالإضافة إلى صخور الغرانيت السوداء، وجعلتها هذه الجيولوجيا والتشكيلات الرملية والصخرية المميزة منطقة فريدة وجاذبة لصناع الأفلام.
ويوجد في وادي رم عشرات الفنادق والمخيمات ذات الطابع البدوي التي تجذب السياح من أنحاء العالم.