اثار ادباء ونقاد ومثقفون يمنيون جدلا كبيرا على مواقع التواصل الإجتماعي حول إصدار جديد يضم مجموعتين شعريتين منسوبتين للشاعر الكبير عبدالله البردوني، طبعته مؤخرا السلطات الخاضعة لجماعة الحوثيين في صنعاء.
وقاد مقال صحفي للأديب عبد الوهاب الحراسي على منصة "خيوط" بعنون " نصوص غير معهودة وأخطاء.. هل تم التلاعب بأخر قصائد البردوني"، الى سجال محموم حول علاقة الشاعر الراحل بالإصدار الذي حمل اسم" رحلة ابن شاب قرناها" و"العشق في مرافئ القمر".
وكان الحراسى تحدث في مقاله عن اشتمال الإصدار على أخطاء فاضحة وركاكة واضحة، فضلا عن سبكات لزجة، وروائح غبية في هوامشه، تثير الريبة.
وتصدر حملة التشكيك الروائي اليمني المقيم في فرنسا علي المقري، الذي دعا الى تشكيل لجنة فحص للتحقق من سلامة إجراءات اخراج الكتاب وصحّة نسب القصائد المنشورة للبردوني، خصوصا تلك التي بدى فيها " مبشرا بجماعة الحوثي ومتهكما بمعاوية عدو ال البيت التاريخي".
" بعد ثلاثة وعشرين عاماً من وفاته، تنشر هيئة الكتاب في صنعاء مجموعتين شعريتين لعبدالله البردوني ولا تريدنا أن نسأل من أين لكم هذا وبأي خط كُتبت؟"
يقول المقري في منشور على حسابه في فيس بوك.
أضاف "توقعنا أن يقولوا: أهلاً وسهلاً لكل من أراد التحقق أو التأكد من تطابق الخط والنصوص...إلخ!
لكنهم لم يفعلوا وأرادونا أن نسلَّم بهذه النسخة المطبوعة دون جدال".
واوضح ان النسخة مليئة، بمئات الأخطاء اللغوية والأسلوبية والعروضية، "ناهيك عن ما ورد إلينا من معلومات مؤكدة تفيد بأنه تم حذف بعض القصائد من المخطوطات الأصلية وأن الأصول المخطوطة تحتوي على أكثر من خط وليس خط الشاطبي وحده"، في إشارة الى محمد الشاطبي الذي كان يكتب ما يملي عليه الشاعر البردوني.
ومن جانبه بدا الدكتور قائد غيلان، وهو اكاديمي وناقد ادبي متشككا من ظهور هذه الأعمال الشعرية للبردوني في هذا الحين بعد نحو عقدين من الزمان على وفاته.
"أُخفِيَ ديوانان للبردوني بصورة غامضة، ثم أُعلِن عن ظهورهما بصورة أكثر غموضاً، مَن أخفاهما ولماذا، ومن أخرجهما من مخبئهما، وكيف ..؟!!"، يتسأل قائد مستغربا.
وفي تعليق له على حسابه في تويتر، قال الكاتب مصطفى ناجي "حاول الحوثيون دون كلل تجيير مواقف الدكتور عبد العزيز المقالح وهو الجمهوري القح لصالح مشروعهم الطائفي التمزيقي ولم يستحوا من شيخوخته ومرضه حتى توفاه خالقه".
اضاف "ها هم الان يجربون إلصاق رداء الحوثية على الشاعر الكبير عبد الله البردوني في قبره.
يعيد الحوثيون هندسة اليمن على هواهم".
فيما يذهب الصحفي جمال انعم الى ان الشعر الذي تضمنه هذا الإصدار لا يشبه البردوني.. مؤكدا على انه من المهم "أن يتحرك النقاد والكتاب والأدباء لمواجهة مثل هذه العمليات التى تستهدف تقويض الوعي والذاكرة وضرب الحساسية الفنية والإبداعية ونسف الذائقة والمعيارية وتحطيم القامات الملهمة وتحويلها الى ادوات في خدمة مشروع الخراب".
وفي السياق أعرب الصحفي سامي غالب عن دعمه للروائي علي المقري، قائلا أن ما كتبه عن العمل الذي طبع في صنعاء مؤخرا ونسب للبردوني، جدير بالوقوف والتحقق من جميع محبي البردوني وتلاميذه.
في المقابل دافع الشاعر عبدالرحمن مراد رئيس الهيئة العامة للكتاب الخاضعة للحوثيين عن المجموعتين الشعريتين الصادرة في كتاب عن الهيئة، قائلا "ان ديواني البردوني مثبتان في المرجعيات والتداولات وفي وثائق حصر الوراثة، ولدى وزير الثقافة السابق خالد الرويشان نسخة منها، وانه بدلا من حملة التشكيك والتحامل يمكن الرجوع اليها".
وأكد إلى أنه لم يصدر العمل الا بعد تم عرضه على لجنة للتدقيق من جلساء البردوني وكتابه.. مشيرا الى ان أعضاء اللجنة "من رموز المشهد الثقافي اليمني.
ومن المعيب التشكيك في نزاهتهم".
اضاف"من غير اللائق توظيف البردوني لأغراض لا تخدم رمزيته ومكانته".
وقال ان "منهج اللجنة في التدقيق كان يقوم على نشر ما هو موجود دون تعديل أو توضيح أو حذف أو إضافة"، في اشارة الى ما اثاره المشككون حول وجود أخطاء لغوية ومعلوماتية غير معهودة لدى البردوني.
ويرى الباحث والمحقق، علي محمد زيد ان أساليب القصائد تنتمي الى شعر البردوني في سنواته الاخيرة، و"هي مرحلة تهتم بخلق الأساطير أو استيحائها من التراث وحكاية القصص، وتقِلُّ فيها الصور الشعرية المبتكرة"،
وقال ان " الهوامش الخاطئة عند البردوني عادية ومتوقعة من شاعر وكاتب كفيف لا يستطيع العودة بانتظام إلى المراجع، بل يعتمد على ذاكرته دون أن يتوفر له المساعد الخبير بالتحرير والتحقيق".
والقى زيد باللوم على من أملى عليهم البردوني " النصوص والأشعار دون أن يبذلوا جهدا تحريريا لتدقيق الإشارات والتنبيه إلى الهنات إن وجدت".
ورفض الأديب جميل مفرح، وهو احد اعضاء لجنة المراجعة، دعوة الروائي المقري لتشكيل لجنة للتحقق من صحة نسب الإصدار الى البردوني، مشيرا الى ان ذلك سيفتح الباب امام بروز مطالبات لاطائل منها، "والتمترس وراء التعصبات الشللية والقبلية التي لا تليق بالمثقفين والأدباء".
اضاف" الديوان نزل المكتبات واللي عنده ملاحظة أو اعتراض أو تصحيح يورينا ويكتب وينتقد بصدق وشجاعة ويحدد أين وقعت الأخطاء الجسيمة كما يصفها بعض المحترمين".
تابع قائلا "لعلم الجميع أصول هذين العملين توجد منها نسخة منذ أكثر من 15 عاماً لدى الأستاذ خالد الرويشان وزير الثقافة الأسبق، وأستغرب كثيراً من عدم تفاعله وتعليقه وإيراد شهادته بعد مقارنة العمل بالأصول".
وفي مسعى لاحتواء هذا الخلاف الدائر حول الديوانين الشعريين الجديدين المنسوبين للشاعر عبد الله البردوني، اكد الأديب والناشط الحقوقي احمد النبهاني على ان المرجعية في هذا الموضوع والقول الفصل هو للوزير السابق خالد الرويشان لأنه يمتلك نسخة من الديوانين.
اضاف "يمكن أن تكون النسخة التي لدى وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان اساسا للفصل حول صحة القصائد من عدمها وحول ما إذا كانت قد نشرت كاملة ام تم حذف البعض منها".
واما فيما يتصل بالأخطاء الواردة في الديوانين يقول النبهاني "إن الأمر يتطلب جهدا في تحقيق الديوانين بالعودة الى الأصل ويحتاج إلى جهد متصل بالشرح والتدقيق والعودة إلى المراجع الأصلية وكذا العودة إلى المراجع الأدبية والتاريخية اللازمة للجهد التحقيقي".