ثقافة: المهري و العَودَة إِلَى الحَنِين
يمن فيوتشر - سامي الشاطبي: الاربعاء, 16 نوفمبر, 2022 - 07:10 مساءً
ثقافة: المهري و العَودَة إِلَى الحَنِين

عِيسَى بن سَالِمِين المَهرِي شاعر مسكون بوعي شعري مغاير، وفِي حنايا قَصِيدَته سُهَيْل ثمة ما هو جدير بتناوله، تركيزاً على مرموزية القصيدة ودلالاتها.
إنّ توظيف الرمز والذي يًقصد به "الإيحاء والتعبير عن المشاعر والأحوال النفسيّة المستترة والغامضة" فِي قصيدته، رغم انها سمة مشتركة بين الشعراء بمختلف مستوياتهم، إلاّ أن توظيفه المغاير، ساهم فِي الارتقاء بشعرية القَصِيدَة، معمقاّ دلالاتها وتأثيرها فِي القارئ.
فمن هو سُهَيْل.. إِلَى ما يرمز؟
يا سُهَيْل:
ابتدأ الشَّاعِر قصيدته والَّتِي تهفو مشتاقة لموسم الخريف وخطيل الابل والترحال بين الروابي بنداء سُهَيْل، فلما اختار المنادي دوناً عن البقية ..؟ إن وعي الشاعر اختار سهيل تحت مبرر ارتباطه بمؤدي القصيدة، لكن اللا وعي ظل حاملاً للحقيقة المطلقة في القصيدة، فسُهَيْل عند العرب، هو البشير اليماني..نجم من اسماءه سُهَيْل اليماني، وسبب نسبته إِلَى اليَمَن كونه يطلع من جهة الجنوب أي من جهة اليمن.
هل كَان الشَّاعِر يعي بأنه انما يوجه نداءه إِلَى اليَمَن والَّتِي هي موطنه الأول وموطن كل العرب ؟
إنه الانتماء البعيد الذي رنا الشَّاعِر اليه بحثاً عن حلول لما شب ويغلي فِي خواطره ..الانتماء الذي اخفاه فِي شخصية سُهَيْل ..وبندائه فر من عوالم الحداثة ومدن الاسمنت الخالية من العواطف والروح إلى الأصل الأول، حيث الناقة والارض المفلوحة والسعادة الطبيعية والغيث.. الحياة البسيطة الخالية من تعقيدات الحداثة وصلابة الاسمنت .
يا سُهَيْل شوف الحال ماني ابطايب
شب الحطب فِي خاطري بن فنيال
تقف صَحرَاء الربع الخالي قاطعا بينه وبين وصول نداءه لسُهَيْل ...هذه الصَحرَاء الَّتِي كَانت فِي ما مضى موطناُ لأجداده الذين لم يعرفوا لغة الحدود والحواجز ..هذه الصحراء التي اتسع لها خاطر الشاعر باجتماع السمار وبناء موقع اشعال الحطب حيث توقد النار  ..
ان أجواء الشتاء مالها سوى شبّة اشتعال النار..واجواء الشاعر ما لها سوى استدعاء المنجي..
من هو سُهَيْل:
اثارت قصة نجم سُهَيْل فضول الكثير من الشعراء والعشاق..فنجم سُهَيْل والذي يرتبط لدى أبناء الجزيرة العربية برحيل الصيف والحرارة..يعتبر نجما اعتمدوا عليه ايما اعتماد في توجيه الكثير من شئون حياتهم.
سُهَيْل فِي خاطر الشَّاعِر الذي هو ابن الحداثة والتنوير..الحداثة بكل تكنولوجيتها الباعثة على الرهبة ، ليس أحد النجوم العملاقة ذات اللون الابيض البراق والَّتِي اعتاد عليه أبناء الجزيرة العربية فِي تحديد وجهتهم واسفارهم وقبلتهم ومواسهم، وهو ليس نجماً مجاورا لنجم الشعري اليماني والذي يمكن رؤيته بالعين المجردة ..انه رمز لليمن الَّتِي ينتمي لها كل العرب، وخاصة أبناء الجزيرة العربية، وعيسى المهري أحدهم وما نداءه لسُهَيْل بتحسس مكامن جرحه الا عودة إِلَى جذور الابوة. 
بي ضيقةٍ يرجع بها الشاب شايب
تصفق براسي ريحة البن والهال
من كبرها ضاقت علي الرحايب
اسرح مع الهاجس ويشرد بي البال 
أنه نجم سُهَيْل من يتمتع بلون جميل وسطوع متلألئ ..صحيح ان ما يقابله هو الظلام والجاثم على اليمن الا ان تلك الظلومية لم تمنع الشَّاعِر من النظر اليه ساطعا ومتلألئاً رغم ظلام الحرب . على اعتبار ان رائحة البن التي مصدرها الاول اليمن تجعل كل مًظلم منير..
ان عمر النجم قصير نوعاً ما مقارنةً ببعض النجوم الاخرى، اذ قدر العلماء عمره بـ 27 مليون سنة، و هو العمر الذي يصل فيه إِلَى الانفجار والتلاشي، ولعل اشارة الشَّاعِر فِي البيتين التاليين إِلَى تلك الرمزية اشارة صدرت من اللاوعي.
وتحز فِي قلبي نصول الحرايب
إذا طرت فـ البال طلعات ترحال
في سيرها كنها جيوش وكتايب
بين المروج الخضر وسهول وتْلال
لقد ظهر نجم سُهَيْل للشاعر، وهو الدال على اختفاء الحر الشديد الذي يعاني منه سكَان الجزيرة العربية متزامنا مع اشواقه للصرب وأجواء ما بعد الغيث والتي لا تحل الا بظهور نجم سهيل. 
تشوقني للصرب نود الهبايب
والجو بعد الغيث وشْعاب مسيال
العودة الى الجذور:
تتشكل صور القصيدة ..تتراصف كلماتها كما تتراصف الكواكب..يستعيد حياة الماضي ..الناقة ..المروج..السهول..الجبال..حياة افتقدها ابن الحداثة والاسمنت والخرسان..ان للرغاء –الذاكرة الصوتية- تأثير عميق انعكس في البيت التالي
اسمع رغاهن بالضلوع الحدايب
ينساب مثل الريح مابين لجْبال
لا أظن بأن الشاعر هدف إلى السير بالتوازي مع المثل القائل "تسمع رغاها" وهو مثل شعبي شائع بين ابناء الجزيرة يُضرب لمن ينتظر أن يدعى لعمل فيه شرف ومروءة والتي تعود قصتها الى رجل كَان يطلي ناقته بالكبريت، وصادف ان كان بالقرب منه رجل ينظر إليه، فمرّ به مُسنّ وسأله .. وينك عن الجربا؟،قال: ما طلبني، قال المسنّ : "تسمع رغاها" أي تسمع صوتها، وترى معاناة الرجل فِي علاجها.
سلوى الخاطر:
لقد استدل أبناء الجزيرة على نجم سُهَيْل بربط ظهوره بانحسار الحر وبدء هطول الامطار  وبالتوازي استهل عيسى المهري قصيدته نداءه الى سهيل..سهيل الحياة والأمل وسلوى الخاطر..سأترككم مع نص القَصِيدَة لمزيد من المتعة:
ياسُهَيْل شوف الحال ماني ابطايب
شب الحطب فِي خاطري بن فنيال
بي ضيقةٍ يرجع بها الشاب شايب
تصفق براسي ريحة البن والهال
من كبرها ضاقت علي الرحايب
اسرح مع الهاجس ويشرد بي البال 
تشوقني للصرب نود الهبايب
والجو بعد الغيث وشْعاب مسيال
وتحز فِي قلبي نصول الحرايب
اذا طرت فـ البال طلعات ترحال
لو يمنعوني عنه ماني بتايب
ماقدر اخلي راحة القلب والبال
يازين ذودن خاطلاتن خبايب
بين السهول وبين غابات وجْبال
في سيرها كنها جيوش وكتايب
بين المروج الخضر وسهول وتْلال
اسمع رغاهن بالضلوع الحدايب
ينساب مثل الريح مابين لجْبال
ومن حولهن كل الاهل والقرايب
هذا ولد عمٍ وهذا ولد خال
وهذاك من عز الربع والصحايب
ينومسك قربه وقوله والافعال
ياسلوة الخاطر وكل الحبايب 
شب الحطب داير على البال فنيال.

* سامي الشاطبي هو صحفي وكاتب يمني له ما يزيد عن 12 رواية ومؤلفا ادبيا صادرة عن دور محلية وعربية، وهو ايضا مدرب متخصص في مجال اعداد البرامج والاعمال الدارامية الاذاعية.


التعليقات