"نموت فيك يا نبات الورد"، هكذا هتف الجمهور طربا حين سمع صوت الفتاة الصغيرة نبات احمد، وهي تغني للمرة الاولى على خشبة مسرح قصر سبأ في مدينة تعز مطلع السبعينيات من القرن الماضي، في زمن كان لايزال فيه الغناء حكرا على الرجال.
بدأت نبات احمد التي ولدت في تعز عام 1955 تشق مسيرتها الفنية بجرأة مبكرا، متحدية العادات والتقاليد السائدة في مجتمع قبلي محافظ ينظر الى غناء المرأة بانه"عيب وعار".
•اصرار على كسر القيود
"حاربونا كثيرا، لكن اصرينا على الغناء وكسرنا تلك العادات والتقاليد" قالت الفنانة نبات في مقابلة تلفزيونية سابقة.
والى جانب شقيقتها روضة وتقية الطويلة ومنى علي، تعد الفنانة نبات من الجيل الأول للمطربات في اليمن.
يؤكد الباحث والاديب محمد الشيباني انه حين علم أبوها وأفراد عائلتها بأنها صارت وشقيقتها مغنيتين، قاموا بحبسهما لثلاثة أيام في المنزل".
اضاف "أمام إصرارهما على مواصلة السير في الطريق الذي اختارتاه، رضخ الأب، لكنه فقد شقيقه إلى الأبد بالمقاطعة".
خلافا لعمها تقول نبات احمد " الوالد كان متفاهم معنا وشجعنا بعد ذلك على الغناء".
•عشق منذ الطفولة
عشقتْ نبات احمد الفن منذ طفولتها، لكنها لم تستطيع أن تجهر بحبها للغناء إلا بعد ان بلغت سن الثانية عشرة من عمرها، خوفا من افراد عائلتها، الذين كانوا يريدون منها أن تكمل تعليمها لتصبح طبيبة.
تقول "كنت هاوية للغناء لدرجة لا تصدق، لم أكن أفكر أني سوف أكون فنانة مشهورة. كان تفكيري منحصرًا في كيف أغني وبس".
لكن مشوار نبات أحمد الحقيقي مع الغناء، بدأ من مرافقتها لأختها الفنانة روضة أحمد في حفلاتها الفنية.
كانت روضة معروفة بصوتها الجميل، وسبق لها ان سجلت عددا من الأسطوانات مع عدد من الفنانين أمثال علي السمة و محمد العوامي.
تذكر الفنانة نبات احمد انه في إحدى الحفلات دخلت اختها روضة تغني، "فقلت للفنان العوامي وآخرين أريد أن أسجل أسطوانة، فقالوا لي: أنت لا تنفعين للفن، فصوتك غير لائق".
•اريد ان اغني
لكن هذا الكلام المخيب للامال لم يثنها عن تحقيق رغبتها، بقدر ما زادها اصرارا على موقفها، " قلت لهم لازم أغني وإن كان صوتي غير حلو، أريد أن أغني".
وتدين الفنانة نبات احمد بالجميل للفنان محمد العوامي الذي تقول انه اول من دعمها ووقف الى جانبها وقدمها للجمهور.
"كان هو من اظهرني على مسرح قصر سبأ في تعز بداية السبعينيات، في حفل فني بمشاركة ايوب طارش وروضة احمد، وعلي عبدالله السمة، واخرين"، حسب قولها في اكثر من مناسبة.
في ذلك الحفل غنت الفنانة نبات احمد اغنيتها الاولى، كان اسمها " فيني وفي روحي وفي عيوني"، وهي من كلمات والحان الفنان محمد العوامي نفسه.
بعدها قامت نبات احمد بتسجيل عشرات الاغاني لتبلغ أعمالها 120 البوما على مدى مشوارها الفني الذي استمر نحو خمسين عاما.
•العزف على العود
تزوجت الفنانة نبات أحمد في سن مبكرة من الفنان أحمد الابرش الذي كان له تاثيرًا على مسيرتها الفنية.
كان الابرش شديد الغيرة، ولم يسمح لها الا بغناء تلك الاغاني التي يقوم هو بكتابة كلماتها وتلحينها.
ومع ذلك يعود له الفضل الأكبر في تعليمها العزف على الة العود، كي لا تحتاج لمن يعزف لها إذا أرادت الغناء.
في كتابه "الأصوات الغنائية" الذي يؤرخ للحركة الغنائية اليمنية بين(1950 _ 2000م)، يقدم المؤرخ يحيى قاسم المحامي، الفنانة نبات احمد ،على "أنها أول فنانة يمنية تمكنت من العزف على آله العود".
يرى الباحث عبد المغني القرشي ان اجادة الفنانة نبات احمد للعزف على العود "كان ميزة اضافية لها تميزها عن زميلاتها، كالفنانة تقية الطويلة ومنى علي وغيرهما".
للفنانة نبات واحمد الابرش عديد الأغاني المشتركة، من بينها "حبش هو ذي وسط قلبي"، لكن علاقتهما لم تدم طويلا، اذ توفي الابرش بعد سنوات قليلة من زواجهما في حادث سير.
•الغيرة ..الحضور والغياب
لاحقا تزوجت نبات احمد من ابن شيخ قبلي في تهامة كان سببا في انقطاعها عن الظهور الفني لمدة 18 عاما، حيث لم يسمح لها سوى باحياء الحفلات النسائية.
خلال مسيرتها الفنية المتقطعة التي كانت تغيب فيها احيانا عن الساحة لظروف خاصة، وتعود مرة اخرى، قدمت نبات احمد عديد الاغاني مع فنانين وفنانات كمحمد حمود الحارثي وعلي السمة واحمد السنيدار وفائزة عبدالله وفتحية الصغيرة.
ولاقت كثير من اغانيها انتشارا واسعا داخل اليمن، مثل اغنية "حبيبي لا تعذبني"، "سلام يا أحباب"، " أنت حبك في فؤادي"، و "زهر الربيع"، بالاضافة الى اغاني الزفاف، غير ان اشهر اغانيها هي اغنية "بعز الليل انا امسيت سهران"، من كلمات صالح مفتاح والحان احمد تكرير .
ولم تقتصر مشاركتها على الحفلات والمناسبات الداخلية، بل كان لها مشاركات خارجية في بلدان عدة كالكويت والبحرين وفرنسا وجيبوتي والسعودية.
•الاعتزال
ومنذ حوالي العام 2003، اعتزلت الفنانة نبات احمد الغناء نهائيا، لانها كما تقول "تعبت، والاوضاع لم تعد مناسبة"، حد وصفها.
نبات احمد وكغيرها من الفنانين اليمنيين لم تلق الدعم الكافي والاهتمام والرعاية من قبل الجهات المعنية، وهي تقضي الان ما تبقى من حياتها في جمهورية مصر العربية، معتمدة في ذلك على مصدر دخلها الذي تحصل عليه من إيجار شقتيها في صنعاء.