فن: "الزبيرية"رقصة العشاق .. على ايقاعات الطبول ورنين الحجول
يمن فيوتشر - ازهار فؤاد: الإثنين, 10 أكتوبر, 2022 - 10:28 صباحاً
فن:

[ ارشيف- خاص بوزير الثقافة الاسبق اروى عبده عثمان ]

لاتزال نظيرة بنت سعيد (78عاما) تحتفظ حتى اليوم بقطعتين من الحجول(الخلاخيل) التي كانت المرأة تضعها اسفل ساقيها فوق الكعب للتزين، او لاصدار رنينا موسيقيا اثناء اداء رقصات معينة في الافراح ومناسبات الزفاف، مثل رقصة "الزبيري" اشهر فنون الرقص الشعبي في الحجرية جنوبي محافظة تعز.
بالرغم من انها لم تعد تستخدمهما الان، الا ان نظيرة ما زالت متمسكة بحجولها الفضية التي تتدلي منها منمنمات صغيرة، لارتباطها باجمل ذكريات عمرها، كما تقول المرأة السبعينية التي يراودها حنينا جامحا الى سنوات شبابها الاولى.
"كنا نرقص مثل الحمام، موش رقص من حق هذه الايام"، قالت ضاحكة، بينما كانت تهز جسدها في اشارة ذات مغزى.

رقصة تشاركية  
حتى عهد قريب كانت رقصة "الزبيري"، الرقصة الشعبية الاكثر حضورا في المناسبات والافراح في محافظة تعز، وعلى وجه الخصوص في مناطق الحجرية مركز الثقل السكاني بالمحافظة الغنية بموروثها الحضاري والثقافي والفني المتنوع.
استمدت  الرقصة اسمها من عزلة "الزبيرة" في منطقة قدس شرقي مدينة التربة، حيث ظهرت للمرة الاولى، لتنتقل لاحقا منها الى اغلب مناطق الحجرية، حسب الباحث المتخصص في الفنون الشعبية اليمنية، علي المحمدي.
كانت الأعراس تأخذ النصيب الأكبر في ممارسة هذه الرقصة، اضافة الى بعض الحفلات الغنائية الأخرى، لكن 
الاهتمام بها تضاءل بشكل كبير خلال العقود الاخيرة، ولم تعد تؤدى الا على نحو محدود من قبل بعض كبار السن من الرجال او النساء.

•"دلا دلا ومنعنع وطويل"
تذكر ابتسام (اسم مستعار) كيف احتد الخصام قبل شهور قليلة بين فتيات يافعات، وامرأة خمسينة، عندما احضرت الاخيرة معها ثلاث مغنيات يحملن الدفوف الى حفل زفاف نسائي في قريتها عند الضواحي الجنوبية لمدينة التربة.
تقول: ابدت الفتيات اصرارا على مواصلة الرقص على انغام اغان يمنية وعربية وحتى هندية، ورفضن السماح للمغنيات بالغناء، لكنهن رضخن في النهاية لارادة المرأة". 
"عندما بدأت المغنيات بالضرب على الدفوف والغناء لم يهتم بهن احد، لكن بعد وقت قصير اخذت نساء مسنات يتناوبن الرقص بشكل بديع هادئ ورزين، ثم التحقت تقلدهن الفتيات.. كان حفل زفاف بهيج ومتميز "، اضافت ابتسام وهي تحاول تستذكر بعض كلمات تلك الاغاني: الا دلا لا وا منعنع وا طويل
الا خفف من الكبر تحتك مسلمين
الا يا ليتنا لك ويا ليتك لنا
الا يا ليت دارك مقابل دارنا
               * *
الا اخضر خضاري دلوني عليك
الا عادك على العهد والا قد نسيت
الا والله يا شيخ ما اني لك غريم 
الا غريمك الله رب العالمين.

رقصة تشاركية
يقول الباحث علي المحمدي"تتميز هذه الرقصة بانها رقصة تشاركية بمعنى انه يتشارك فيها الرجال مع النساء، وتؤدى أحيانا من قبل الرجال فقط  أو من قبل النساء فقط".
يضيف " كما يتشارك في تقديم هذ الرقصة راقصان أثنان، لا تزيد عن هذين العنصرين منذ بدء الرقصة حتى نهايتها". 
وعادة يرتدي الرجال الذين يقومون باداء رقصة الزبيري ملابس تراثية " كالمعوز والشميز و الكوفية والمشدة"، حسب المحمدي. 
يمتاز إيقاع رقصة الزبيري، كما يقول المحمدي، بالبطىء حيث تبدو الحركة فيها هادئة، ودالة عن  هدوء البال والسكينة، أي أن الحركة تعتمد على أداء مدروس يقدم بتفنن وتباهي؛ ولكن دون انفعال حركي".

رقصة مهددة بالاندثار
وتعتبر المرافع والطارات(الدفوف) والمزمار، هي الآلات الموسيقية المناسبة للإيقاع المستخدم في رقصة الزبيري.
ومع ذلك يرى المحمدي ان الرتابة في الايقاع القائم على أساس الحركة الخفيفة الهادئة، جلعها "غير محببة لدى الشباب"، ما يهددها بالاندثار.
اضافة الى ذلك يلقي المحمدي باللوم على ابناء المنطقة في عدم التمسك بهذه الرقصة الشعبية المحلية، ولجوءهم الى رقصات أخرى كالشرح اللحجي، ما أسهم  في انحسار  الاهتمام بها على نحو كبير.
ويشير الى انه " بالرغم من أن إيقاع الرقصة من أجمل الإيقاعات، الا ان معظم الفنانين والملحنين لم يأخذوا إيقاع الزبيري في أغانيهم، رغم أنه مشابه في الوزن إيقاع الوسطى الصنعاني وميزانه الموسيقي 4/4  ولكنه يتميز بالرتوش الخاصة به، والذي يضيف جمالا خاصاً بهذا الإيقاع"، حد قوله.
دعوة للاهتمام الرسمي والشعبي
" لم نسمع على المدى الطويل وخبرتنا الطويلة في هذا المجال أي فنان أدخل هذا الإيقاع بروتوشه الخاصة إلى حد الآن" يؤكد المحمدي الذي نفذ عددا من الدراسات في مجال الموروث والفنون الشعبية.
يستدرك" صحيح هناك بعض الأغاني التراثية التي تناولها الفنان الكبير أيوب طارش عبسي التي ربما تعود لنفس المنطقة، وتراثها وايقاعها زبيري ولكن تنفيذ الإيقاع بما يخصه من الرتوش والضروب الأساسية غير موجود". 
مع ذلك تعتقد الدكتورة اسمهان العلس وهي أستاذة مساعدة في كلية الآداب بجامعة عدن ومختصة بالتاريخ الحديث والتراث الثقافي، بأن مسؤولية الحفاظ على الموروث الشعبي بما فيها مثل هذه الرقصات، تقع بالدرجة الاولى على عاتق الدولة بأجهزتها المختصة. 
وتشدد على أن الاهتمام الرسمي  بالموروث الثقافي يجب أن يكون عن طريق تعريف المواطن به وتشجيعه للحفاظ عليه. 
علاوة على ذلك تقول الدكتورة  اسمهان بانه يجب على "وسائل الإعلام والثقافة ان تلعب دورًا مهما في التعريف بالموروث الشعبي وكيفية الحفاظ عليه من خلال تخصيصها له ندوات وبرامج تلفزيونية واذاعية مختلفة". 
كما ترى ضرورة وجود مؤسسات معنية بالاهتمام بالموروث الشعبي و تأسيس فرق شعبية مؤهلة للقيام بنشره وتعريف المجتمع به ونقله إلى الخارج.

حاجة للتحديث والمواكبة
من جانبه يذهب الباحث المحمدي الى أنه يجب ان يكون هناك قدرا من الابتكار والتحديث والمواكبة، على سبيل المثال بإضافة بعض الحركات الى رقصة الزبيري "لتبدو أكثر حيوية"، وكسر رتابة أدائها الذي كان سبباً في عزوف الشباب، كما يقول. 
وتمنى من الفنانيين والموسيقيين والملحنين إظهار هذا الإيقاع الجميل الذي تصاحبه رقصة الزبيري في أغانيهم وإخراجه للوجود.


التعليقات